قرأت قبل أيام خبرا حول مطالبات بعض الأطباء وأولياء الأمور في إمارة رأس الخيمة بضرورة إلزام البقالات ومحال السوبر ماركت التي تبيع السجائر ببيعها عبر بطاقة الهوية للحيلولة دون وصولها إلى الأطفال, وكم أسعدتني هذه المطالبات والرغبة الجادة في مكافحة استغلال القصر من قبل هؤلاء الباعة, فالعديد من الأسر في الخليج تعاني من جرائم الموردين وعمال السوبر ماركت والبقالات الذين لا يترددون - ولو لثانية - في بيع السجائر بالتجزئة للصغار, وأحيانا يمنحون السيجارة الأولى – مجانا- للقاصرين من باب الترغيب وجرهم لدائرة الإدمان، غير مكترثين بمدى الخطر الذي يهدد صحة هؤلاء الصغار, فجمع الأموال غاياتهم ومن أجله قد يبتكرون وسائل جديدة لجر الصغار إلى التدخين والوقوع في شركه.
ويرى الباحث السعودي "عبد الهادي العمري" أن انعدام تطبيق قرارات منع بيع السجائر لمن هم دون سن الـ 18 عاما يعد الدافع الاجتماعي الأول لانتشار التدخين بين المراهقين, يليه كثرة المحال والمتاجر التي تبيع السجائر وخاصة قرب المدارس, ورغم أهمية هذه الدراسة ونتائجها إلا أنها ستلاقي نفس مصير بقية الدراسات التي تحذر من تدخين القاصرين وتطالب بتجريم بيع السجائر والشيشة لصغار السن، فطالما لا توجد رغبة جادة -سواء من المشرع أو مؤسسات المجتمع المدني أو أولياء الأمور- لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة وحماية حياة القاصرين ستبقى موجودة وستفتك بحياة الملايين من المراهقين في العالم العربي.
في رمضان الماضي كنت أقف خارج إحدى الأسواق حينما شاهدت مراهقا لا يتجاوز عمره الثالثة عشرة وهو يدخن السيجارة، شعرت بالدهشة، فالصبي يدخن أمام المارة بلا مبالاة ولم يتوقف أي شخص لنهره أو تحذيره من تلك السموم التي يدخنها وقد يلقى حتفه بسببها، فالكل يسير في طريقه وكأن الأمر طبيعي, وهذا الموقف ليس الأول ولن يكون الأخير في ظل غياب القوانين التي تجرم بيع السجائر والشيشة للقاصرين في عالمنا العربي والذي ينتشر فيه تدخين الأطفال والمراهقين رغم كل الحملات الجادة من قبل جمعيات مكافحة التدخين لمحاربة هذه السموم, فالسعودية تحتل المركز الثالث عالميا في عدد المدخنين من القاصرين, وفي الإمارات وصلت نسبة المدخنين من صغار السن – حسب منظمة الصحة العالمية- إلى 29% بين الذكور و14% لدى الإناث, وفي المغرب تصل نسبة التدخين في مؤسسات التعليم إلى 14% في المرحلة الإعدادية و25% في المرحلة الثانوية –حسب الجمعية المغربية لمكافحة التدخين والمخدرات- وكلما استعرضت نسب المدخنين من المراهقين في العالم العربي شعرت بالفزع وبأننا بحاجة ماسة لدق ناقوس الخطر، فوباء القرن الحادي والعشرين يهدد حياة الملايين من شبابنا العربي والكثير منهم معرض للإصابة بالسرطان وغيره من الأمراض المرتبطة بالتدخين.
أكثر ما يثير دهشتي وغضبي أن يكون الشخص الذي يفترض به حماية المراهق من كل المخاطر التي تحيط به هو أول من يدفع به لعالم المدخنين, فهناك آباء وأمهات – من فئة المدخنين – وعلى مرأى من الجميع يمنحون سيجارة لأبنائهم القصر أو يمدون خرطوم الشيشة أو كما يسمونه "الأرجيلة " في بعض البلدان العربية وهم يبتسمون لأخذ نفس غير عابئين بصحة فلذة أكبادهم وشبابهم الذي قد يذبل بسبب هذه السموم القاتلة, فهل هذه السلوكيات من باب التحرر المزعوم أو من باب إعلان أنهم أصبحوا من فئة البالغين وقادرين على التصرف مثلهم ومحاكاتهم في سلوكياتهم الضارة ؟!!
للأسف أصبح منظر المراهق أو المراهقة وهم يدخنون السجائر أو يتعاقبون على تدخين الشيشة مع أصدقائهم في بعض المرافق العامة -والتي تسمح بالتدخين وبيع الشيشة- من المناظر الطبيعية وغير المستنكرة في العالم العربي, وقد وصل الأمر ببعض الأسر المستهترة إلى ابتداع تقليد جديد وهو توزيع السجائر والشيشة في حفلات عقد القران والزفاف على الحاضرين ومنهم فئة المراهقات، غير عابئين بصحة الحضور وغير واعين إلى أن السجائر تقتل خمسة ملايين شخص في كل عام.
فأي رسالة سلبية يريدون إيصالها لفئة المراهقين والذين لا يدركون حجم الأضرار المترتبة على تدخينهم تلك السموم ؟! وأي قدوة يقدمون لأبنائهم الذين قد يحاكون سلوكهم من باب الإعجاب؟!
التعليقات: 0
إرسال تعليق